responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 65
[270]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 270]
وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (270)
وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ.
تَذْيِيلٌ لِلْكَلَامِ السَّابِقِ الْمَسُوقِ لِلْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ وَصِفَاتِهِ الْمَقْبُولَةِ وَالتَّحْذِيرِ مِنَ الْمُثَبِّطَاتِ عَنْهُ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا كَسَبْتُمْ [الْبَقَرَة: 267] .
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا التَّذْيِيلِ التَّذْكِيرُ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ النَّفَقَاتِ وَصِفَاتِهَا، وَأُدْمِجَ النَّذْرُ مَعَ الْإِنْفَاقِ فَكَانَ الْكَلَامُ جَدِيرًا بِأَنْ يَكُونَ تَذْيِيلًا.
وَالنَّذْرُ الْتِزَامُ قُرْبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ بِصِيغَةِ الْإِيجَابِ عَلَى النَّفْسِ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ صَدَقَةٌ وَعَلَيَّ تَجْهِيزُ غَازٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَيَكُونُ مُطْلَقًا وَمُعَلَّقًا عَلَى شَيْءٍ. وَقَدْ عَرَفَتِ الْعَرَبُ النَّذْرَ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَدْ نَذَرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ إِنْ رُزِقَ عَشَرَةُ أَوْلَادٍ لَيَذْبَحَنَّ عَاشِرَهُمْ قُرْبَانًا لِلْكَعْبَةِ، وَكَانَ ابْنُهُ الْعَاشِرُ هُوَ عَبْدَ اللَّهِ ثَانِيَ الذَّبِيحَيْنِ، وَأَكْرِمْ بِهَا مَزِيَّةً، وَنَذَرَتْ نَتِيلَةُ زَوْجُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ- لَمَّا افْتَقَدَتِ ابْنَهَا الْعَبَّاسَ وَهُوَ صَغِير- أنّها إِن وَجَدَتْهُ لَتَكْسُوَنَّ الْكَعْبَةَ الدِّيبَاجَ فَفَعَلَتْ. وَهِيَ أَوَّلُ مَنْ كَسَا الْكَعْبَةَ الدِّيبَاجَ.
وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ أَوْفِ بِنَذْرِكَ» .
وَفِي الْأُمَم السالفة كَانَ النَّذْرُ، وَقَدْ حَكَى اللَّهُ عَنِ امْرَأَةِ عِمْرَانَ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً [آل عمرَان: 35] . وَالْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَرَجَاءِ ثَوَابِهِ، لِعَطْفِهِ عَلَى مَا هُوَ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ سَوَاءٌ كَانَ النَّذْرُ مُطْلَقًا أَمْ مُعَلَّقًا، لِأَنَّ الْآيَةَ أَطْلَقَتْ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ مُرَادٌ بِهِ الْوَعْدُ بِالثَّوَابِ.
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلَا يُؤَخِّرُ، وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا وَلَا يَأْتِي ابْنَ آدَمَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قُدِّرَ لَهُ، وَلَكِنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ»
. وَمَسَاقُهُ التَّرْغِيبُ فِي النَّذْرِ غَيْرِ الْمُعَلَّقِ لَا إِبْطَالُ فَائِدَةِ النَّذْرِ. وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ عِبَادَهُ فَقَالَ: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ [الْإِنْسَان:
7] .
وَفِي «الْمُوَطَّأِ» عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» .
وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ: مِنْ نَفَقَةٍ ومِنْ نَذْرٍ بَيَان لما أَنْفَقْتُمْ ونذرتم، وَلَمَّا كَانَ شَأْنُ الْبَيَانِ أَنْ يُفِيدَ مَعْنًى زَائِدًا عَلَى مَعْنَى الْمُبَيَّنِ، وَكَانَ مَعْنَى الْبَيَانِ هَنَا عَيْنَ مَعْنَى الْمُبَيَّنِ، تَعَيَّنَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 65
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست